السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ان شاء الله اليوم مع موضوع جديد
"الوقف الاسلامي في اللغة والاصطلاح"
الوقف لغة :
هو الحبس عن التصرف.
و يقال : وقفت الدابة أي حبستها أو تصدقت بها أو أبدتها أي جعلتها في سبيل الله إلى الأبد ، و جمعه أوقاف و وقوف ، كوقت و أوقات .
و الحبس : المنع .
و هو يدل على التأبيد ، يقال : وقف فلان أرضه وقفاً مؤبداً ، إذا جعلها حبيساً لا تباع و لا تورث . و قد وردت كلمة الوقف في القرآن الكريم فقال تعالى ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾ الصافات : 24 ، و قال تعالى ﴿ وَ لَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ الأنعام : 30 .
و الوقف في الاصطلاح :
هو تحبيس الأصل ، و تسبيل المنفعة على بر أو قربة بحيث يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى .
و المراد بالأصل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه .
و أجمع تعريف لمعاني الوقف عند الذين أجازوه أنه حبس العين و تسبيل ثمرتها ، أو حبس عين للتصدق بمنفعتها ، أو كما قال ابن حجر العسقلانى في فتح الباري : " إنه قطع التصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها و صرف المنفعة " ، فقوام الوقف في هذه التعريفات حبس العين فلا يتصرف فيها بالبيع أو الرهن أو الهبة ولا تنتقل بالميراث .
و هو عند جمهور الفقهاء : حبس العين على حكم ملك اللّه تعالى ، و التّصدّق بالمنفعة على جهة من جهات البرّ ابتداء أو انتهاء .
فالفرق بين الحبس و الوقف أنّ الحبس يكون في الأشخاص و الوقف يكون في الأعيان .
و قد تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه بناء على اختلاف آرائهم في لزومه ، و تأبيده ، و ملكيته .
فقد عرفه المالكية بقولهم هو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة ، و شرطه أن لا يتعلق به حق الغير فلا يصح وقف المرهون أو المؤجر .
و عرفه الشافعية بقولهم مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح ، و الوقف لازم .
و قال أبو حنيفة أن الوقف غير لازم و قيل رجع عن قوله هذا . و الوقف مستحب لأنه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه و تعالى لعدم انقطاعه و كثرة الثواب عليه بتأبيده .
فالوقف ليس من باب التعبد الذي لا يعقل معناه ، بل هو معقول المعنى مصلحي الهدف .
و لقد كان من الفقهاء من أنكر شرعية الوقف بهذا المعنى وعده باطلا ، و لا يصح إقراره ، إذ كيف يمنع الإنسان من التصرف في ملكه ، و من هؤلاء شريح و إسماعيل بن اليسع الكندى و أبو حنيفة و الشعبى ، و لقد قال بعض العلماء إن إنكارهم لشرعية الوقف إنما هو منصب على منع التصرف في الرقبة ببيعها وهبتها و عدم انتقالها بالإرث و غير ذلك ، أما صرف المنفعة إلى الجهة التي عينها فيقر عليه الواقف و يجب عليه و تنفيذ ، و لذلك جاء في عمدة القارئ ما نصه " لا خلاف بينهم في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بما يحصل من الوقف ما دام حيا حتى أنه إذا وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار و الأرض ، و يكون ذلك بمنزلة النذر بالغلة ، و لا خلاف أيضا في جوازه إذا اتصل به قضاء القاضي أو إضافة إلى ما بعد الموت " .
و هاتان المسألتان في الحقيقة لا تخرجان عن جواز الوقف ، و إنما تخرجان على قاعدتين أخريين غير الوقف ، أولاهما قاعدة فقهية مقررة و هى أن حكم الحاكم إذا صادف فصلا مجتهدا فيه رفع الخلاف فيما صادفه حسما لمادة النزاع ، و الثانية أن كل تصرف مضاف إلى ما بعد الموت وصية ، و أن الوصية بالمنافع لجهة الخير تجوز ، فالوقف في الصورة الثانية يخرج على أنه وصية .
و جاء في البدائع : " لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالريع ما دام الواقف حيا ، حتى أن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار و الأرض و يكون بمنزلة النذر بالتصدق بالغلة ، و لا خلاف أيضا ى حق زوال ملك الرقبة إذا اتصل به قضاء القاضي أو إضافة إلى ما بعد الموت ، و اختلفوا في جوازه مزيلا لملك الرقبة إذا لم توجد بالإضافة إلى ما بعد الموت ، و لا اتصل حكم حاكم ، قال أبو حنيفة : لا يجوز حتى كان للواقف بيع الموقوف وهبته ، و إذا مات أجيز ميراث لورثته . و قال أبو سيف و حمد و عامة العلماء : يجوز حتى لا يباع و لا يوهب و لا يورث ".
و يقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( محاضرات في الوقف) : (و أن الوقف الذي يكون فيه حبس العين على حكم الله تعالى و التصدق بالثمرة على جهة من جهات البر ، هو نوع من الصدقات الجارية بعد وفاة المتصدق ، يعم خيرها و يكثر برها ، و تتضافر بها الجماعات في مد ذوي الحاجات ، و إقامة المعالم ، و إنشاء دور الخير ، من مستشفى جامع يطب أدواء الناس ، و نزل يؤوي أبناء السبيل ، و ملاجيء تؤوي اليتامى ، و تقي الأحداث شر الضياع ، فيكونوا قوة عاملة ، و لا يكونوا قوة هادمة .
و لذا تكاثرت أبواب البر بأوقاف الصحابة ثم التابعين ثم من جاءوا من بعدهم و اتبعوا هديهم بإحسان ، و أن البلاد الإسلامية في شتى أجزائها كان الوقف فيها مصدر بر يهدي به الفقراء و تقام به دور الخير و خصوصا المساجد فما كانت بيوت الله لتعمر بغير الوقف ، و ما كانت تنشأ إلا بفكرته ، و لا تقام فيها الشعائر إلا بصدقته .
و بعض الذين وقفوا اتخذوه ذريعة لمحاربة الميراث و حرموا البنات أو جعلوه قسمة ضيزى بين الذكور و الإناث ، يطففون للبنات و يزيدون للبنين عن طريقه أو طريقهم الآثم ، و لقد كثرت هذه المآثم حتى شوهت الأوقاف و أخفت في كثير من الأحيان خيراتها ، و لكن من الحق أن نقول أنه كان بجوار ذلك الإثم بعض الخير . فمن الناس من كانوا يخشون على أنفسهم الضياع و على أولادهم فيحصنون أموالهم بالوقف على أنفسهم و من بعدهم على أولادهم أو على جهة بر لا ينقطع .
اخوكم :